الإمتداد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

مُساهمة من طرف عمادالدين العاقب الثلاثاء يونيو 16, 2009 10:53 am



العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! 394656507

كان إبراهيم زيدان رجل متعلم ومثقف نال قسطاً من التعليم فى زمن عزّ فيه التعليم على أهل السودان البسطاء خلال فترة الحكم الإستعمارى تحت التاج البريطانى للبلاد حتى تحقق للسودان إستقلاله فى أول يناير 1958 م ، وقد كان إبراهيم زيدان من قلة محظوظة وجدت فرصة ذهبية ونادرة من التعليم لم تتوفر لأقرانة بل لم تكن ميسورة فى البلاد مما أهلة ليتبوأ وظيفة رئيس حسابات فى الخدمة المدنية للحكومة الإستعمارية فى تلك الفترة . وقد تميزت فترة خدمته بكثرة التنقل ما بين مدن السودان المختلفة وخصوصاً فى المناطق النائية والتى كانت توصف بمناطق الشدة حيث أصبح إبراهيم زيدان لا يستقر بمنطقة لفترة من الزمن حتى يصدر أمر إنتقاله إلى منطقة أخرى . وتلك كانت فلسفة وسياسة المستعمر التى إتبعها مع أبناء البلاد من جيل الرواد الأوائل المتعلمين والمثقفين وتهدف بأن لا يتم تأثيرهم على بنى جلدتهم ومن إستقطابهم وتنويرهم وتثقيفهم وتنظيمهم الأمر الذى يشكل تهديداً صريحاً لمصالح المستعمر . وبذلك إستمرت حركة تنقل إبراهيم زيدان من مكان إلى آخر فما أن غادر مدينة أمدرمان وإستقر فى مدينة كادقلى حتى صدر قرار إعارته منتدباً إلى ليبيا لمدة سنة تقريباً وكان ذلك أبان الحرب العالمية الثانية فى عام 1945 م تلك الفترة التى كانت فيها زوجه ( أم الحسين ) حابلاً فى شهورها الأخيرة الأمر الذى لم يمكنه من إعادتها إلى مقـر الأسرة المقيمة فى مدينة أمدرمان .

لم يجد إبراهيم زيدان سوى أن يغادر البلاد إلى ليبيا منتدباً وقد ترك خلفه زوجه الحابل أم الحسين برفقة شـقيقتها وتوأمتها ( أم الحسن ) فى كادقلى تلك المدينة التى شهدت بعد فترة وجيزة من مغادرته لها مولد طفله البكر والوحيد . هكذا لم يكن إبراهيم زيدان بالبلاد فى تلك اللحظات العصيبة والسعيدة بجوار زوجه حيث ان إرادة الله شاءت أن يكون بعيداً عنها بل عن الوطن بأسره فى تلك الساعات أثناء إنجابها فى تلك السنة التى شهدت مولد طفله الوحيد ونتيجة لذلك فقد حدث لبس وخلط فى إختيار مسمى للطفل عندما أرسل إبراهيم زيدان من ليبيا خطاباً إلى زوجه يتضمن فيه إختياره لمسمى ( زيدان ) ليطلق على طفله الوليد إذا كان ذكراً وكانت تلك عادة معظم السودانيين الذى يهتمون بإحياء مسيات أعزاء لديهم بتلك الطريقة المتبعة ولذلك أراد إبراهيم زيدان إحياء مسمى والده زيدان وجـد الطفل ليطلق على نجله الوليد . ولكن شاءت الأقدار أن تصل هذه الرسالة الهامة إلى مدينة كادقلى متأخرة بعض الشىء أو كما يقول المثل العربى ( سبق السيف العزل ) حيث وصلت الرسالة بعد أن تمت تسمية الطفل من قبل القابلة التى أطلقت عليه مسمى ( محمد ) تيمناً برسول الله عليه الصلاة والسلام وبموافقة ومباركة تامة من والدته وخالته وكافة أفراد الأسرة .. وهكـذا اتبعت القابلة ( الداية ) القول الفعل عندما إستخرجت شهادة ميلاد رسمية تؤكد تسميته ( محمد ) . بعد تلك الأحداث وتسمية الطفل بصورة رسمية وبعد فترة قصيرة وصلت رسالة إبراهيم زيدان من ليبيا والتى تضمنت إختياره المقترح بتسمية الطفل ( زيدان ) وهكذا أصبحت هنالك إستحالة فى تغيير مسمى الطفل من محمد إلى زيدان بعد وصول تلك الرسالة المتأخرة من ليبيا إلى كادقلى بعد فوات الأوان وبعد أن أصدرت القابلة قرارها التأريخى فى تسمية الطفل وإعتماد ذلك رسمياً فى سجلات المواليد الرسمى للحكومة . هذا الموقف حزَ كثيراً فى نفوس عائلة إبراهيم زيدان نظراً لبعدة وغربته عن أرض الوطن إضافة لمكانته السامية لدى جميع أفراد العائلة . وتقديراً لتك المكانة الرفيعة التى يتمتع بها إبراهيم زيدان لدى عائلته أصبح كل أفراد هذه العائلة الكريمة يطلقون على هذا الطفل اسم زيدان حتى شاع بين الناس وأشتهر به بل طغى حتى على اسمه الحقيقى المسجل فى وثيقة الميلاد ( محمد ) ولم تكتف العائلة بمسمى زيدان فقط على طفلها بل أطلقت عليه عدة إلقاب ومسميات أخرى لها خلفيات وأبعاد أسرية وتأريخية .. إذ كانت تطلق عليه مسميات ( السنوسى ) و ( التعايشى ) تلك الأسماء التى قد أشتهر بها الجد ( زيدان ) والد إبراهيم زيدان إلى جده لأبيه والتى أطلقت عليه أيضاً تيمناً إلى جده الخليفة عبدالله السنوسى المعروف والمشهور على نطاق جميع أهل السودان كافة بالخليفة ( عبدالله التعايشى ) ولذلك فقد أصبح هناك الكثير من أفراد هذه العائلة الكريمة تنادى الطفـل محمـد بتلك المسميات ذات المدلول الأسرى كالتعايشى والسنوسى حتى الآن .. وهذا الحفيد محمد إبراهيم زيدان ما هو إلا العندليب الأسمر ذلك الفنان العبقرى المتفرد والموسيقار العظيم صاحب الصوت الساحر ( زيدان إبراهيم ) .

عاد إبراهيم زيدان إلى أرض الوطن مجدداً لمزاولة عملة فى مدينة كادقلى بعد إنتهاء فترة إنتدابه فى ليبيا وكان ذلك فى عام 1946 م وبعد فترة قصيرة من عودته تم نقله إلى مدينة ملكال فى جنوب السودان فغادر مدينة كادقلى إلى ملكال مصطحباً فى هذه المرة عائلته المكونة من زوجته أم الحسين وتوأمتها أم الحسن وطفله زيدان الذى لم يكمل العام الأول من عمره وإستقرت الأسرة فى ملكال فترة ليست بالقصيرة لأول مرة حيث ترعرع زيدان حتى بلغ من العمر أربعة سنوات وكانت خلال تلك الفترة عائلة إبراهيم زيدان قد تعايشت وإنصهرت مع سكان مدينة ملكال كعادة الأسر السودانية ولم تشذ تلك العائلة الأمدرمانية المنشأ فى التعايش مع أبناء تلك القبائل وسرعان ما إنخرطت تلك الأسرة بكامل أفرادها وإندمجت مع الجيران من أبناء تلك القبائل الجنوبية حتى أجاد إبراهيم زيدان جميع اللهجات الجنوبية كما أجادت أم الحسين وشقيقتها لهجة الشلك والتحدث بها بطلاقة تامة وقد تركت تلك المرحلة المبكرة من حياة زيدان إبراهيم وتعايشه منذ نعومة أظافرة بأهالى تلك المنطقة أى سكان مدينة ملكال إنطباع كبير فى نفسه حيث كان يعشق ويشارك فى ترديد أهازيج تلك القبائل خلال المناسبات الإجتماعية والدينية وقد تأثر زيدان بأهالى تلك المدينة تأثراً كبيراً وعميقاً كانت له أبعاد خلال مسيرته الفنية فيما بعد . حدث موقف طريف فى أوائل عام 1949 م للطفل زيدان وبالرغم من طول السنين إلا أن هذا الموقف ظل راسخاً فى زهنه ولم ولم يبارح خياله إطلاقاً بالرغم من صغر سنه فى تلك الأيام حيث ظل محفوراً فى ذاكرته وكان هذا الموقف عندما حضر والده إبراهيم زيدان إلى البيت فى أحدى المرات مبكراً وعلى غير ما جرت العادة وبالصدفه وجد نجله زيدان والذى كان فى الرابعة من عمره يغنى بصوت عالى ومسموع أثناء لعبه بجوار والدته فغضب إبراهيم زيدان غضباً شديداً من أبنه وعاقبه عقاباً عسيراً ومنعه من ممارسة الغناء بل حذره تحذيراً نهائياً فى هذا الأمر . وكان غضب الوالد يمثل ذلك المفهوم العام والسائد فى ذلك الوقت عن الغناء والشايع بين الناس المتعلمين وغير المتعلمين بأن الغناء خصله من خصال النساء ويعد أمراً محظوراً وعيباً كبيراً ينتقص من هيبة وقيمة الرجال بل يعد جرماً فى ذلك الوقت . وهذا المفهوم عن الغناء ليس كان كان سائداً فى بيت إبراهيم زيدان فقط بل عند السواد الأعظم لكافة الأسر السودانية المحافظة ذات البعد الدينى والصوفى المتوارث عبر الأجيال ولذلك كانت معظم الأسر السودانية المحافظة لا تتحرج إطلاقاً فى نعت ووصف الفنان بصفة ( الصعلوك ) دون أى تحفظات حيث كان يصنف الفنان بأنه شخصاً ساقطاً ومنبوذاً فى المجتمع ليست له أى مسؤولية تجاه نفسه أو أهله فى ذلك الوقت .. ولكن شاءت الظروف وبعد مدة قصيرة من ذلك الموقف الذى حدث للطفل زيدان الذى حرمه والده بتعليمات مشدده من ترديد الأغانى ولم تمضى فترة طويلة حتى تم صدور قرار بإعادة إبراهيم زيدان مرةً أخرى إلى مدينة كادقلى وكان ذلك فى أواخر عام 1949 م فغادرت الأسرة مدينة ملكال وعادت أدراجها مرة أخرى لكادقلى وهى تحمل إرثاً ثقافياً وإنسانياً كبيراً من خلال الإنصهار الإجتماعى والثقافى الذى تم مع قبائل تلك المنطقة فى مدينة ملكال .
عمادالدين العاقب
عمادالدين العاقب
إمتدادي مبدع وفنان

عدد المساهمات : 128
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
الموقع : الإمتداد مربع ( 10 ) منزل ( 101 )

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty رد: العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

مُساهمة من طرف muneer idrees الثلاثاء يونيو 16, 2009 7:10 pm

واصل اخي عماد ومشكور على طرحك.
نحن في انتظارسردك الممتع لحياة العندليب الاسمر والذي يعد من وجهة نظري واحد من اعظم الفنانين

muneer idrees
إمتدادي أصيل

عدد المساهمات : 48
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
الموقع : jeddah

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty رد: العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

مُساهمة من طرف عماد عويس الثلاثاء يونيو 16, 2009 11:52 pm

ياسلام ياعمدة والله فتحت لينا باب من الصعب دخولة ولكن من السهل ان تغتني منه الحب والخير والجمال

هذا االفنان الرائع المبدع الرقيق الانسان.. له مني كل الحب مع امنياتي له بدوام العافيه وطولة العمر ..

واصل ياجميل ...

عماد عويس
إمتدادي مميّز

عدد المساهمات : 81
تاريخ التسجيل : 08/06/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty رد: العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

مُساهمة من طرف عمادالدين العاقب الأربعاء يونيو 17, 2009 12:10 am

muneer idrees كتب:واصل اخي عماد ومشكور على طرحك.
نحن في انتظارسردك الممتع لحياة العندليب الاسمر والذي يعد من وجهة نظري واحد من اعظم الفنانين

كلماتك يا منير يا غالي تشجعني للمواصلة تقبل تقديري وإحترامي ؟؟
عمادالدين العاقب
عمادالدين العاقب
إمتدادي مبدع وفنان

عدد المساهمات : 128
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
الموقع : الإمتداد مربع ( 10 ) منزل ( 101 )

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty رد: العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!!

مُساهمة من طرف عمادالدين العاقب الأربعاء يونيو 17, 2009 12:14 am

عماد عويس كتب:ياسلام ياعمدة والله فتحت لينا باب من الصعب دخولة ولكن من السهل ان تغتني منه الحب والخير والجمال

هذا االفنان الرائع المبدع الرقيق الانسان.. له مني كل الحب مع امنياتي له بدوام العافيه وطولة العمر ..

واصل ياجميل ...

العمدة الأصلي شخصياً .. والله الشوق محيط .. تعرف يا عمدة دائماً في سيرتك مع الغالي سمير عبدالرحيم .. لك كل ودي وحبي ..
عمادالدين العاقب
عمادالدين العاقب
إمتدادي مبدع وفنان

عدد المساهمات : 128
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
الموقع : الإمتداد مربع ( 10 ) منزل ( 101 )

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! Empty العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ... ( 2 ) ... !!!!

مُساهمة من طرف عمادالدين العاقب الأربعاء يونيو 17, 2009 10:18 am


العندليب الأسمر .. زيدان إبراهيم ( 1 ) .. !!!! 902815342


عادت تلك الأسرة الأمدرمانية مرة أخرى إلى مدينة كادقلى وأمضت بها فترة حتى بلغ الطفل زيدان السادسة من عمرة وعندئذ قام إبراهيم زيدان بإلحاق أبنه زيدان بالمدرسة بعد جهد كبير حيث كان فى ذلك الوقت أصغر طفل يتم إستيعابه بالمدرسة الأولية فى هذه السن المبكرة بمدينة كادقلى على الإطلاق . وقد تم إلحاق زيدان بمدرسة كادقلى الشرقية الأولية بعد صعوبات كبيرة وجهود مضنية نظراً لعدم إكماله السن القانونية المحددة فى تلك الفترة بسبعة سنوات ولكن تم تسجيله بالمدرسة كطالب مستمع وبصفة خاصة وإستثنائية وذلك تقديراً لوالده وخدمته الطويلة الممتازة فى مناطق الشدة لدى الحكومة فى جميع أنحاء البلاد وخارجها وعلاقاته المتميزة مع رجالات التعليم والمثقفين من رصفائه وبذلك أصبح زيدان إبراهيم أصغر طفل يتم إلتحاقه بالدراسة فى مثل هذه السن المبكرة بالمدارس الحكومية بمدينة كادقلى ولهذا السبب لم تتاح له فرصة الإلتحاق بالدراسة فى ( الخلوة ) إطلاقاً كبقية أقرانه وأنـداده من أبناء أهل السودان الذين درجوا على هذا النهج تمهيداً لدخول المرحلة الدراسية الأولية أو الكتاب كما كان يطلق عليه سابقاً فى ذلك الوقت .. فى تلك الأيام التى إلتحقت فيها زيدان بمدرسة كادقلى الشرقية الأولية كان هذا الطفل يعانى من مشكلة ( التمتمه ) لدرجة لاتوصف وبصورة غير عادية سببت له الكثير من المتاعب والمعاناة لصعوبة نطقه وإستخراجه للحروف والكلمات حتى بلغت به الأمور فى بعض الأحيان إلى أن يجلس على الأرض حينما يستعصى عليه الكلام والتعبير ولكن بالرغم من ذلك فقد كان زيدان سعيداً بإلتحاقه بالمدرسة نظراً لأن هناك فرصة كبيرة أصبحت متاحة لديه لا تتوفر له فى البيت حيث أصبح الآن يستطيع وبدون أى قيود أو رقابة يجد حرية الترنم والغناء لنفسه وتريد الأغانى المحببة لنفسة دون أى رقابة من أى فرد من أفراد الأسرة حيث كان يستغل فرصة ذهابه وإيابه من المدرسة وهكذا لم يفوت زيدان هذه السانحة وأستغلها لمصلحته وبدأ يردد ما يحلو له ويستهوية من الأغانى وبعض الأهازيج والأناشيد وخلافها التى سبق له أن حفظها فى مدينة ملكال دون أى رقيب أو حسيب عليه لذلك لم يفكر زيدان فى إنشاء صداقات مع زملائه وأقرانه بالمدرسة بل كان يعيش فى حالة كانت أقرب وأشبه للإنطوائية حتى يتسنى له حفظ سره فى نفسه وبالتالى تريد ما يحلو له من أغانى . ولكن عندما إنتقل زيدان إلى الصف الثانى بمدرسة كادقلى الأولية تغيرت تلك الصورة حيث لحق به فى تلك المدرسة جاره وزميله فى الحى عبدالهادى دار صليح الذى تم قبوله بالصف الأول أيضاً دون أن يكمل السن القانونية شأنه شأن زيدان وقد أوصت والدة عبدالهادى زيدان بأن يصطحبه معه لصغر سنه من وإلى المدرسة ومن خلال ذلك نشأت صداقة بينهم وحفظ عبدالهادى سر صديقة فى الغناء بل كان يشاركه فى ترديد بعد الأغانى والألحان وقد أصبح عبدالهادى دار صليح فيما بعد سفيراً بوزارة الخارجية السودانية ولكن صداقة الطفولة وذكرياتها الجميلة ما بينهم لم تنقطع أوصالها بل تعمقت وقويت بمرور السنين وبالرغم من قصر فترة الدراسة التى جمعت زيدان وعبدالهادى بمدرسة كادقلى الشرقية الأولية حتى صدر قرار نقل إبراهيم زيدان من مدينة كادقلى إلى مدينة ملكال مرة ثانية .. ولكن فى هذه المرة لم يجد إبراهيم زيدان طريقاً أمامه سوى إعادة أسرته إلى مدينة أمدرمان نهائياً نتيجة لكثرة تنقلاته وعدم إستقراره فى منطقة لمدة طويلة الأمر الذى أصبح يشكل له مشكلة كبيرة فى إستقرار أبنه ومستقبله الدراسى لذا قرر إبراهيم زيدان أن تعود أسرته إلى مدينة أمدرمان نهائياً وتستقر بها حيث مكان مقر وإقامة كافة أفراد العائلة وحرصاً على مستقبل أبنه الدراسى وضمان إستقراره وإنتظامة بالمدرسة لم يتردد إبراهيم زيدان فى تنفيذ ذلك القرار فما كان أمام تلك العائلة المكونة من والدته ( أم الحسين ) وخالتـه ( أم الحسن ) إضافة إلى الطفل زيدان وغادروا مدينة كادقلى إلى موطنهم فى مدينة أمدرمان وبعودتهم إنتهت صلتهم نهائياً بمدينتى كادقلى وملكال ولكنهم حملوا فى أحداقهم حنيناً وارثاً جميلاً صادقاً لتلك المدن وسكانها وذكريات خلدت فى نفوسهم لم يستطيع أن يغيرها المكان ولا الزمان ..

فى عام 1951 م كانت الأسرة قد وصلت إلى ( البقعة ) وإستقرت بها نهائياً حيث إلتحق زيدان بمدرسة حى العرب الأولية بأمدرمان والتى كان يديرها فى ذلك الوقت أحد رجال التعليم من رواد الجيل المثقف أصحاب البصمات الواضحة فى مسيرة الإستقلال ذلك الناظر والوالد المربى الجليل الأستاذ الراحل محمد أحمد قاسم .. وهذا الأستاذ الجليل أميز خريجى مدرسة الأحفاد الثانوية بل يعد من أكثر الطلبة النوابغ على مستوى القطر مما ساهم بقدر كبير لإستيعابه فى كلية المعلمين الوسطى والتى تأهل من خلالها للعمل فى مجال التدريس وقد تميز محمد أحمد قاسم خلال دراسته أيضاً بأنه كان عضو نشط مشهود له على مستوى السودان فى الحركة الإتحادية بثوريته وولائه الكبير لوطنه كما أشتهر بعدائه الشديد للإستعمار وكراهيته المطلقة للمستعمرين وهذا المربى الجليل يعد من أكثر القياديين البارزين فى قيادة المظاهرات ضد الإستعمار البريطانى منذ أن كان طالباً حتى أصبح معلماً مميزاً وذلك من خلال ملكاته المطلقة فى فنون الخطابه وقدرته فى تحريك المشاعر بالكلمات المؤثرة نظراً لإجادته التامة وتمكنه من ناصية اللغة والبلاغة وتمرسه فى مخاطبة وجدان مستمعيه حيث كان عاشقاً للأدب والشعر ومربياً فاضلاً وقد قادته روحة الثورية المتطلعة للحرية لدخول سجن كوبر عدة مرات نتيجة نضاله وكفاحة الطويل فى سبيل تحقيق الإستقلال ومواجهاته ومصادماته المتلاحقه للمستعمرين . ومنذ أن إلتحق زيدان بمدرسة حى العرب الأولية أثنى عليه أستاذه محمد أحمد قاسم كثيراً على مستواه التحصيلى والدراسى وذكائه المتقد وقد أبدى هذا المربى الجليل منذ الوهلة الأولى لمشاهدته الطالب زيدان والتحدث معه فقد شد إنتباهه تلك الملاحظه الثاقبة والتى كانت فى غاية الدقة والأهمية والمتمثلة فى طريقة حديث تلميذة المتعثرة بسبب ( التمتمه ) حيث كان رأى الأستاذ محمد أحمد قاسم أن طريقة حديث زيدان تعد عيباً كبيراً ويجب على تلميذه التخلص منها بأسرع وقت وبأى طريقة مهما كانت حتى يستطيع أن يكون شخصاً مؤثراً فى المجتمع ويقوم بدوره كاملاً وهكذا كان يحدث نقاش طويل مابين ذلك المربى الجليل وتلميذه الذكى الذى طلب من مربيه أن لا يتوقف عن مساعدته فى كيفية التخلص من ذلك العيب فما كان من الأستاذ إلا أن قدم نصيحته ووصفته فى كيفية العلاج والتى يمكن أن تناسب مثل حالته وقد أشار عليه بنصيحة غالية جداً بأن لا فكاك إطلاقاً من مثل حالته هذه إلا من خلال مواجهة هذا الموقف بشجاعة تامة وقوة عزيمة صادقة وذلك بالتحدث مع زملائة بصبر وثقة فى التفس إضافة إلى ممارسة الغناء بصوت مرتفع وخصوصاً فى حالة خلوته أى فى مكان لا يتواجد فيه أحد ثم يغنى ويردد ما شاء له من الأناشيد المدرسية أو المدائح الدينية أو الأغانى بصوت عالى ومسموع وقد أكد الأستاذ محمد أحمد قاسم لزيدان بأن هذه الطريقة هى الوسيلة الوحيدة والوصفة الناجعة لعلاج مثل حالته النادرة الحدوث بين الناس .

كانت تلك النصيحة التى تلقاها زيدان من أستاذة الجليل محمد أحمد قاسم مكان إهتمامه الشديد وحرصه ومما ساهم بقدر كبير فى تشجيعه تلك الظروف والصدفة والتى تمثلت فيما كان يشاهده بعينه فى منزل أصدقائه وزملائه بمدرسة حى العرب الأولية الأشقاء إبراهيم والطيب محسن أشقاء الموسيقار بشير محسن حيث كان يرافقهم زيدان بعد نهاية اليوم الدراسى إلى منزلهم الذى كان ملتقى للمبدعين والفنانين .. وكان من رواد منزل بشير محسن من الفنانين والفنانات عائشة الفلاتية وشرحبيل أحمد وعبدالكريم الكابلى وخلافهم من المبدعين بينما كان من أشهر المثقفين المشاركين فى تلك الجلسات الدكتور جرتلى .. ومن خلال منزل بشير محسن والذى كان مشحوناً ومسكوناً بالفن بدأ تأثر زيدان لهؤلاء المبدعين وظهر عشقة الكبير لهم وخصوصاً للفنان عبدالكريم كابلى حيث ولى زيدان إهتماهة لذلك الموسيقار الراقى وأبدى إهتمامه الشديد فى الإستماع إليه خلال تلك الأيام المبكرة وأصبح حريصاً على الحضور برفقة زملائه إبراهيم والطيب محسن حتى يتسنى له أن يسترق السمع لهؤلاء العمالقة من داخل بيت شقيقهم الأكبر الشاعر الموسيقار بشير محسن فكان زيدان يشبع رغبته الجامحه بالإستمتاع إلى صوت الكابلى وطريقة حديثه الساحرة بعمق شديد ويصل زيدان لقمة الإنصات خصوصاً عندما يردد تلك الأغنيات الشعبية والتراثية الخالدة والتى قد عالجها موسيقياً بطريقته الخاصة والفريدة دون الإخلال بالحن وجوهر تلك الأغنيات والتى قد تميز الكابلى فى تجويدها وإخراجها بثوب قشيب وناصع مزهل وساحر والتى كانت تستهوى زيدان ومنها عندما كان يردد كابلى مناحة بنوتة بنت المك نمر لشقيقها عمارة فيصل إلى ذروة الطرب وهو يستمع لتلك الأغنية الخالدة :

ماهو الفافنوس ..
ماهو القليد البوص ..
ود المك عريس ..
خيلاً بجن عركوس ..
أحى على سيفه البحد الروس ..
أن وردن بجيك ..
فى أول الواردات ..
ومرنا نو نشيط ..
إن قبلن شارادات ..
الأسد النتر ..
قمزاته متطابقات ..
بيعرض فوق ظهور ..
العنز الفاردات ..
فوق كوفيتك الخودة ..
أم عصاً بولاد ..
ودرعك فى أم لهيب ..
ذى الشمس وقاد ..
سيفك من سقايته ..
أتعوجب الحداد ..
وقارحك غير لجام ..
مايقرب الشداد ..
مان دايرالك الميتة أم رماد شح ..
دايراك يوم لقى بى دمك أتوشح ..
الميت سولب والعجاج يكتح ..
أحى على سيفو البسوى التح ..
ماهو الفانوس ..
ماهو الغليد البوص ..

( نواصل ) .
عمادالدين العاقب
عمادالدين العاقب
إمتدادي مبدع وفنان

عدد المساهمات : 128
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
الموقع : الإمتداد مربع ( 10 ) منزل ( 101 )

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى