مؤامرة سباق الدراجات من الجيلي لميدان عقرب .. !!!

فضيحة البحاري

أول سباق دراجات نظم من مدني للخرطوم مثل الإمتداد فيه ( البحاري ) وكان بديناً خفيف الظل .. مرمط البحاري بسمعة الإمتداد الأرض عندما إنسحب من السباق حسب رواية الشهود بعد كيلومترين فقط من مدينة ود مدني .. ولن أنسي وقوف جميع سكان الإمتداد من الصباح الباكر علي جنبات شارع مدني لمناصرة البحاري حتي بلغت الشمس كبد السماء وشاهدناه بأم أعيننا علي ظهر ( المجروس ) التابعة للقوات المسلحة .. عندما أعلن في الصحف عن قيام سباق الدراجات الثاني من الجيلي لميدان عقرب ببحري تقدم للسباق مجموعة من أبناء الإمتداد بهدف مسح العار الذي تركه البحاري .. تخصصت في البحاري وكرهته الإمتداد وصار يتجنبني .. سجل عبدالعزيز الكوتش وعباس عبدالمنطلب ( ركس ) وسيف آدم ( لون ) وأحمد كافي وقاسم أسماؤهم وتبرعوا بتسجيل أسمي معهم بإيعاز من البحاري دون علمي بدار الكشافة السودانية بجوار أستاد الخرطوم .. خطط البحاري للمكيده ولم يخطروني بذلك أحدهم ولكن لاحظت بأن تلك المجموعة فجأة أهتمت برياضة الدراجات بين ليلة وضحاها .. علي يد الترزي عبدالوهاب حول عباس ركس بنطلونه الجينز الوحيد إلي ( رداء ) وبقية الشلة حولت البناطلين إلي برمودات .. وتبقي للسباق أيام وطلب منهم منظمي السباق إجراء الكشف الطبي بدار الكشافة وهنا كان لابد لهم من مصارحتي وإقناعي بضرورة الذهاب معهم لإجراء الكشف الطبي .. بداية الأمر إعترضت بشدة علي تسجيل أسمي وخاصة أنني لا أجيد رياضة سباق الدراجات فقالوا لي سواقة العجلة دي دايره خبره .. !!! قلت لهم ما عندي عجلة فقالوا دي ما مسؤوليتك بنجيب ليك عجلة صبيحة يوم السباق .. !!! أخيراً تحت تعنتهم إقتنعت بالمشاركة في السباق الذي حتي تلك اللحظات لا أعرف من أين يبدأ وأين ينتهي ولم يراودني أدني شك بأن هناك مؤامرة لفضيحتي يقف من ورائها البحاري ..

المشهد الأول

مساء الخميس حضر لي عباس ركس وعبدالعزيز الكوتش وطلبوا مني أن أذهب معهم لإستلام العجلة وقادوني لبيت حسين ( ناريه ) في بيتهم المقابل كشك توتو كورة والمواجهة لرابطة الأمتداد .. إستلمت العجلة وكانت ( فليبس ) مقاس 24 فقلت لهم العجلة صغيرة وتحججوا بأنها عجلة سريعة ورياضية .. إنضم لنا بقية الشلة وطلبوا مني أن أسير خلفهم لتسليم العجلات في بحري وفي مبني البلدية ببحري بعد مراجعة الكشوفات وصحة البيانات سلمنا العجلات وتم تسليمنا قطعة قماش دمورية بها رقم تسلسلي لكل متسابق .. عندنا بالبص للإمتداد ولاحظت بأن هناك شئ يربط بينهم من خلال الهمس واللمز وضحكات تحت تحت .. ولكن لم يساورني شك بأن هناك مؤامرة ..

المشهد الثاني

فجر الجمعة والدنيا ظلام وصلتني الشلة بسيارة ( بوكس ) وطلبوا مني الخروج سريعاً للذهاب لمبني البلدية ببحري إستعداداً للسباق .. لبست الفنلة الأديداس البيضاء اللون ذات الخطوط الثلاثة الزرقاء الغامقة علي الكتف والتي أرسلها لي من ليبيا لاعب الدينمو سعيد عبدالمنعم .. وصلنا مبني البلدية وكل متسابق إستلم العجلة وشاهدت عشرة عجلات رياضية جديدة لم أشهد مثلها من قبل وعرفت بأنها من المانيا وتخص منتخب الدراجات السوداني .. وقبل أن نرفع العجلات في السيارات المجروس كان يقف معنا شاب مفتول العضلات عرفنا بنفسه بأنه محجوب كريمه وهو أحد أفراد منتخب السودان للدراجات فقال له عبدالعزيز الكوتش ( فريق قومي ) ما بحلك والله الليلة الضحك شرطك .. لم يرد كريمه وبصراحه إعتقدت وبناء علي تمارين الشلة بأن أحدهم وخصوصاً عبدالعزيز الكوتش سيحقق رقم قياسي للسباق .. من بعيد كان هناك شاب جنوبي لابس ( ترينق سود أخضر ) يصيح ويطلب منا الإستعجال لرفع العجلات وأن الوقت تأخر وعندما إقترب منا عرفت أنه بطل الدراجات والمارثون الشهير ( جون نرت ) وكان أحد المنظمين للسباق ولم يشترك بسبب الأصابة .

المشهد الثالث

تحركت السيارات المجروس التابعة للقوات المسلحة من مبني البلدية ووقفت في ميدان عقرب وكان الميدان قد شيد فيه صيوان ضخم غطي معظم ملعب الكرة ووضعت فيه الكراسي ونصبت المايكرفونات في جميع الإتجاهات وبراميل مبأة بزجاجات البيبسي وعرفنا بأن وزير الشباب والرياضة سيكرم الأوائل وسيقوم التليفزيون والإذاعة بنقل الإحتفال الذي ستغطية الصحافة المتمثلة جريدة الصحافة والأيام .. في تلك اللحظات وصل بسيارة تاكسي والوالد العاقب وحبوبتي خديجة عليهم رحمة الله وبرفقتهم شقيقتي إيمان وودعوني وكأني مسافر .. بعد لحظات تحركت السيارات المجروس مرة أخري من ميدان عقرب صوب نقطة بداية السباق وكانت شلتنا بكامل هيئتها في تلك السيارة ومعنا جون نرت .. فقلت له يا كابتن جون تعرف واحد أسمه محجوب كريمة فإبتسم إبتسامة عريضة ولم يجيب فأردفت له قائلاً صاحبنا عبدالعزيز الكوتش قال له ( الضحك شرطك ) فضحك بصوت عالي دون تعليق .. سارت المجروس ونحن واقفين وممسكين بالعجلات حتي تخدرت رجولي فقلت للكابتن جون نيرت وين بداية السباق فأجابني قائلاً لم نصل نصف المسافة سوف أنزلك أنت لأن من في عمرك يبدأ السباق من نصف المسافة ومعم البنات .. وهنا بدأ أصدقائي يتهكمون علي تتسابق مع ( حريم ) والله فشلتنا .. ووصلنا نصف المسافة وتوقف المجروس وجون نيرت يطالبني بالنزول ورفضت بعد أن شاهدت معظم المتسابقين من الجنس اللطيف .. وتحركت المجروس لمدينة الجيلي .

المشهد الرابع

وصلنا الجيلي وقد ( تعقلت ) رجولنا وحقيقة شلت هم العودة للخرطوم بحري .. حاصرني أصدقائي المتأمرون وقال لي عباس ركس ( البحر أمامك والعدو خلفك ) وصارحوني بأن هذه المؤامرة بتخطيط البحاري الذي مرمطت كرامته .. كدت أبكي من الغيظ ولكن أصبحت أمام الأمر الواقع وقررت أن لا أستسلم وأن أكمل السباق مهما يكن علي أن يكون هدفي الأساسي أن لا يتقدمني أحد من شلتي بغض النظر عن ما يسفر عنه ترتيبي في السباق كما عاهدت نفسي بأن لا أنسحب من السباق حتي لو أغمي علي وإلا سوف لن أسلم من لسان البحاري الطويل المتربص بي ..

المشهد الخامس

نزل جميع المتسابقين العجلات وكنت أحمل عجلتي الفليبس فوق رأسي وأضعها في مقدمة المتسابقين فيقف أحدهم أمامي وأعيد الكره أضع عجلتي في المقدمة حتي إستشاط الرجل الذي يحمل المسدس في يده وصرح بأن أي حد يتحرك من مكانه سوف يتم طرده من السباق كما أفادنا بأن شرطة المرور قد أوقفت سير السيارات تماماً من الجيلي لميدان عقرب حتي تمام الساعة الثنية بعد الظهر وعلينا أن نصل للنقطة الأخيرة قبل إنتهاء الموعد المحدد حرصاً علي سلامتنا من السيارات .. كنت لحظتها في مقدمة المتسابقين وهنا بدأ الصحفيين التصوير وأخذت من الصور نصيب الأسد لصغر سني ووقوفي في المقدمة .. حذرنا حامل المسدس بأن من يتحرك قبل إطلاق النار سوف يتم طرده وطلب منا الإستعداد وبدأ العد التنازلي 5 - 4 - 3 وقبل أن يكمل ويطلق النار أطلقت ساقي للبدال وبدأ السباق وكنت الأول لمدة عشرة دقائق وقد حظيت بتصوير التليفزيون والصحافة .. وأصبحت العجلات تمر بجانبي وأنا أضغط علي البدال والناس بجانبي الطريق يتصايحون .. لم أشغل نفسي بتناول الفواكهة المياه التي كانت توفرها اللجنة المنظمة وكان همي أن لا يسبقني أحد من أفراد الشلة .. تعداني كثيرون بل مئات ولكن لم أشاهد أحد من أفراد الشلة وهذا ما شجعني لإكمال السباق .. عندما وصلت لحلفاية الملوك فكرت في أن أذهبت لبيت خالتي محاسن الجاك وأطنش حكاية السباق من شدة الألم الذي أصابني ولكني حينما تتماثل صورة البحاري أمامي أشعر بقوه خفيه .. بدأ الشمس تتجاوز كبد السماء والعرق يتصبب من شعر رأسي حتي أخمص قدمي والبدال أصبح ثقيلاً بينما بدأ الجمهور بجانب الطريق يخف رويداً رويدا .. علي مشارف مدينة بحري إنقطع الجمهور تماماً وبدأت أشاهد بعض السيارات علي جانبي الطريق وبدأ منظر الحياة لا يوحي بأن هناك سباق .. دخلت مدينة بحري وأصبحت أسمع من سائقي السيارات والتكاسي عبارات قاسية .. أحدهم يصيح يا ولد أطلع من الشارع .. وآخر يصيح يا زفت أمرق من الشارع مرق جلدك .. لم تهمني الشتائم والسباب فلقد كان لي هدف سامي أن أكمل هذا السباق وأن لا يفوتني أحد أفراد الشلة وبعدها لكل حادث حديث .. أخيراً إقتربت من ميدان عقرب وتخيلت بأن الوزير سيقابلني بالأحضان ويلبسني ميدالية وسط زغاريد النسوان وصيحات الحسان وهتافات الشماسه .. وصلت ميدان عقرب وكانت خيبة أملي كبيرة حينما شاهدت بأن كل التجهيزات لا أثر لها لا صيوان ولا براميل ولا كراسي بل كان يقف في طرف الميدان والدي وجدتي وشقيقتي وما أن رأوني أدخل بدراجتي الملعب الترابي حتي ردت الروح فيهم وصاروا يركضون نحوي .. وقف بجوارهم وإحتضني جدتي وهي تبكي وتشاطرها شقيقتي لم أستطيع أن إنزل من العجلة لقد تصلب جسمي وكان ريقي ناشف تماماً فلم أشرب أو أكل شئ من الجيلي لميدان عقرب .. بصوت لا يكاد يسمع طلبت من الوالد سيارة تاكسي وما أن أدخلت جسمي داخل التاكسي حتي فقدت وعيي تماماً .. فقت في غرفتي وشاهدت جميع الجيران حولي وهم يبكون ومهما أحكي لن أستطيع شرح ما كنت أشعر به من تعب .. في اليوم التالي خرجت الصحف تحمل صورتي علي صدر صفحاتها وهم لا يدرون بأني ( الطيش ) ومن خلال المانشيتات العريضة عرفت بأن محجوب كريمة هو بطل هذا السباق وأن الضحك شرط عبدالعزيز الكوتش الذي وصل محمولاً علي سيارة مجروس ورغم ما حدث لي صرت بطلاً إمتدادياً فكنت الأول عليهم حيث إنسحبوا جميعهم وقطعت ألسنتهم وكبيرهم البحاري الذي علمهم التأمر ..